الأحد، 26 ديسمبر 2021

فوكو وما بعد الحداثة " العقلانية وميلاد الفرد "



فوكو وما بعد الحداثة " العقلانية وميلاد الفرد "


بقلم :أحمد حمدى حسن حافظ

        لاشك ان دحض العقلانية الكلاسيكية التى تميز بها الغرب كتعبير عن حداثته و انواره  كان له دوافع واسباب خارج نطاق مجال البحث الفوكوى ، عبر عنها فى أدبيات العصر بعنوان " أزمة الحداثة " ، التى كان ظهورها نتيجة ضربات موجعة موجهة لقيم الحداثة الاساسية ؛ تارة من العلم ، وتارة من  السياسة .

        الضربة الموجعة الاولى : كانت متمثلة في الثورة العلمية الثانية ، ثورة النسبية   والكم ؛ حيث وضعت مبدأ عدم اليقين أو عدم التحديد أو عدم التأكد الذي قضى على الحتمية العلمية المنهجية , وحول العلم إلى كم من الاحتمالات التي لا تنبئ عن يقين , كما انخرطت العلوم الطبيعية في الذاتية بل و المثالية بل واحيانا التأملية , فأصبح العلم ذاتي وليس موضوعي كما كان يعتقد ويرجع الفضل في ذلك  للفيزياء الحديثة(1). وهذا بالطبع اثر على سيادة السلطة العقلية والوضعية . و لا شك أن تعميق الثورة العلمية الثانية بالثورة العلمية الثالثة أي ظهور العشوائية و الديناميكا اللاخطية أزاد من أيجاع الضربة.

        أما الضربة الثانية : فكانت متمثلة فيما تمخضت عنه الثورة الصناعية من أثار تدميريه واستنزافيه للبيئة أدت إلى الكثير من الأزمات البيئية و الكوارث , وفتحت الباب أمام التنبؤ بسيناريوهات للنهاية البيئية المتوقعة , فتحول تقديس العلم و التكنولوجيا إلى عداء مباشر بين الإنسان والعلم والتكنولوجيا . و لا شك ان تغير نمط الاقتصاد فى ما يعرف بما بعد الاقتصاد(2) او المرحلة الاخيرة من التطور الراسمالى او لامادية الاقتصاد او ما يمكن تسميته بمجتمع المعلومات او ما بعد التصنيع , قد عمق دور التكنولوجيا لنصل معها الى النقطة التى يكون التراجع عنها مستحيلا , فينعكس ذلك على أزمة البيئة فنشعر بياس كامل تجاهها وقرب لنهايتها.

      وكذلك نجد أن حرية الفرد – وهى احد اهم مقولات الحداثة الغربية - قد أصبحت حلما بعيد المنال , فالديمقراطية الغربية التمثيلية الناشئة عن الادارة الرشيدة التى هى انعكاس للعقلانية قد تحولت للعبة في أيد مجموعة من الرعاع او العصابات المسيطرة  , تجيد استخدام فنون الدعاية الانتخابية , وأصبحت سلطة العقل والتشريع أقسى قهرا للإنسان, و ظهر الخطر النووي بعد حربان عالميان تجسد خواء العقلانية من مضمونها .

      أن الشعور بأزمة في الحداثة  قد سيطر على المجتمع الغربي في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية . وكانت ردود الفعل على أزمة الحداثة متمثلة فى واحد من ثلاثة :

1 – رد فعل النكوص آي العودة إلى ما قبل الحداثة ، حيث ظهرت وتأصلت النزعات الأصولية الدينية بالإضافة إلى الدعوى لدراسة علوم الثقافات القديمة و إحياء التراث العالمي القديم ، واتجاه الناس إلى الخرافة والسحر والدجل والشعوذة مرة أخرى .

2 – إنكار وجود أزمة في الحداثة ، واعتبار أن ما تمر به الحداثة ما هو إلا عقبات طبيعية يمكن للحداثة أن تتخطاها ؛ باعتبارها حركة نامية متغيرة وليست ثابتة ، فهي تملك القدرة على تغير مسارها والخروج من العقلانية الاداتية الى عقلانية تواصلية اكثر نضوجا ( وحتى إذا تم الاعتراف بمفهوم ما بعد الحداثة يكون من باب اعتباره جزاء متقدما من الحداثة وحداثة   أخرى وليست انقطاعا وقطيعة للحداثة ) تمثل رد الفعل هذا عند الفيلسوف الالمانى المعاصر هابرماس . 

      ولقد أقر فوكو في آخر حياته(3) أن فلسفة هابرماس  هي فلسفة  لا يجب أن "نيأس منها".  ولكنه يعيب على هابرماس تصوره الإجمالي الشمولي ذو النفس الهيجلي  .... ففوكو لا  يطمئن إلى مفهوم  "الحداثة" أو "العقلانية" بوصفها تفسيرا شموليا للواقع المعاصر ويعتبر أن عبارة عقلانية هي عبارة مريبة  وخطيرة  " لأن ما ينبغي فعله يجب أن يكون بالأحرى هو تحليل  المعقوليات الخصوصية عوضا عن  الإشارة المتكررة  لتقدم العقلانية بصفة عامة ."(4)

 3 – ظهور ما بعد الحداثة معتمدة على الميراث الإنساني الرافض للتنوير       ( المتمثل فى نيتشه على وجه الخصوص  ) منذ العصر الرومانسي إلى الآن . وهو الموقف الشعبي العالمي الذي استخدم آليات الآداب والفنون لينتشر .  فتعد حركة الرومانتيك هى الميراث النظرى الاكبر لما بعد الحداثة باعتبارها حركة مضادة للتنوير (5). ولنقرأ ما كتبه جمال مفرج عن الحركة الرومانتيكية :

  " فلقد حاولت الروح الهندسية – يقصد بها ديكارت - أن تخضع الحياة للعقل وتحولها بذلك إلى أنماط آلية وتحط من شأنها (6) " متألقه فى حركة" الوضعية "  التى نادى بها أوجست كونت فى القرن التاسع عشر مبنية على مقولة " انكساجوراس " الشهيرة : " فقى البداية كل شيئ كان فوضويا ، إلى أن جاء العقل ، وخلق النظام "(7) .

      " إن العقل يتغلغل فى العالم قادما من الخارج ، فى شكل ألوهية تغوى الإنسان بمثل عليا وأهداف لا سبيل إلى بلوغها . فالاله الموهوم يصبح " إبليساً يخنق كل حياة "(8). وهكذا فإن جوهر تطور الإنسانية ، أى ما يسمونه تقدما ، هو صراع ظافر للفكر ضد الحياة . والنهاية المتوقعة لهذا الصراع هى دمار  الحياة ."(9)

      " وفى مقابل عالم نيوتن بأنواره المضادة قدم الرومانتيكيون عالمهم الليلى ، وقال نوفاليس  Novalis : كم يبدو لى الآن النور حقيرا وصبيانيا . وفضل نوفاليس على النجوم البراقة فى السماء التى كان يحلم بها كانط المجالات اللامتناهية التى فتحها الليل أما عينيه ."(10)

     " العقل هو الظاهرة الثانوية ، أما الإرادة فهى الظاهرة      الأولية (11). واصفا الإرادة بالرجل " الأعمى القوى الذى يحمل على كتفيه كسيحا يرى بوضوح "(12). فالعقل الذى يتحرك فى جميع الإتجاهات ، هو أداة كسوله ، إذا لم تحرضه الإرادة . إنه يسقط فى الغفلة والخمول ، فى اللحظة التى ينطفئ فيها الفضول الذى يحركه ويدفعه . والموضوع الذى يتجه إليه لا يدركه إلا باعتباره أولا ، دافعا يوقظ مصلحة شغوفه ، أى باعتباره يتوجه إلى إرادتنا(13).  فيتوقف ليرتاح أو هو يصاب بالشلل فى حالات عدة بينما تبقى الإرادة دوما فى مأمن من التعب ، إذ هى حركة لا تهدأ أو نشاط أبدى لا يتوقف(14) ، فتدفع العقل لأداء وظائفه وتشحذه مساعدة إياه على ذلك : " حتى لتبدو وكأنها هى خادمته الوضعية ، من خلال البواعث التى تلهبه بها ، والرغبات التى بها تغريه ، بما تجعله يثب بخطى عملاقة باتجاه غاية ما ، يدفعه فى ذلك الطموح الجامع حينا ، وتجذبه الغابة التى تزينها الرغبة حينا آخر، غير أن العمل الذى تقوم به الإرادة خدمة للعقل ، إنما هو لحسابها ""(15)

 

       ويعد ميشيل فوكو فيلسوف ما بعد حداثى (اى يمثل ردة الفعل الثالثة ) فى معظم التصنيفات(16) ، بل ويرجع له الريادة لمابعد الحداثة ، وان كان التعبير عن ما بعد الحداثة  فى فرنسا قبل كتاب ليوتار " الشرط ما بعد الحداثى " هو ما بعد البنيوية(17) ، ويعد فوكو رائدا لهذا الاتجاه ، حيث اصبح فيلسوف اللاعقلانية المعاصر او نيتشه ( على اعتباره نيتشه رائد اللاعقلانية فى القرن العشرين ) القرن الواحد  والعشرين . فالفيلسوف الاشهر والابرز للتعبير عن حالة ما بعد الحداثة هو ميشيل فوكو ، فهو قد استطاع من خلال كتابه "تاريخ الجنون فى العصر الكلاسيكى " ان يطيح باخر فلول العقلانية الكلاسيكية ويدمرها تدميرا لصالح الارادة الحرة للفرد ، وهى – أى العقلانية - المقولة الاكثر تعبيرا عن الحداثة ، فهو بذلك الكتاب يخرص الفلسفة العقلية ويبدأ فى اعلان عصر الفلسفة الارادية النيتشوية المارقة ، كما شكل اسلوب حياة ونمط معيشة ميشيل فوكو اصدق تعبير عن ثقافة عصره ؛ ثقافة اختلاط الحابل بالنابل ، فهو كان شاذا بأكثر من معنى – على حد تعبير أمام عبد الفتاح أمام - (18) ، يعتبر حبوب الهلوسة اعمق تجربة فلسفية عاشها  فى حياته(19). كما انه قد عبر عن الارادة والرغبة فى الجميل واللذى كأخلاق ما بعد حداثية متميزة ؛ وهو ما سنلقى عليه الضوء فى دراستنا هذه .

ولنا ان نتوقف عن ذلك المصطلح المشكل ما بعد الحداثة

 ما بعد الحداثة           (P.M.or POMO )  Postmodernism    or  Post- Modernity

وبتحليل الكلمة لغويا وجد إنها تتكون من مقطعين :

·       = Post    قطيعة او  هجرة

     البعض يترجمها(ما بعد) فتوحي الكلمة بمرحلة فائقة من الحداثة , على الرغم من أن المقصود تراجع وهجرة للحداثة , فالكلمة التي تعبر عن مرحلة فائقة من الحداثة         هي Over modernism

- هل هي قطيعة نهائية وعداء مطلق  , يمكن أن تكون anti أم إنها هجرة ( يمكن الرجوع لمعنى  post البريد حتى ندرك إنها هجرة )(20) و أود أن أشير في هذا الصدد إلى قول ليوتار في كتابه  " خرافات ما بعد حداثى " عن ان  ما بعد الحداثة  هي حالة تتولد من المزيد من الحداثة(21) -  وبصرف النظر عن كوننا نتفق أو نختلف مع هذا -  و لنفرقها عن over و Anti      نقول إنها حالة تتولد داخل الحداثة ذاتها لهجرتها من الداخل وليس مجرد رفض خارجي وهذا يعمق مفهوم القطيعة . [1]

     ولمصطلح القطيعة وخاصة القطيعة الابستمولوجية مكانة خاصة جدا عن فيلسوفنا ميشيل فوكو . بل يعد مصطلح القطيعة أحد أهم مفاتيح فهم فوكو كمؤرخ يتنكر دوما من فعل التأريخ ، بل وأحد أهم مفاتيح فهم فوكو كفيلسوف تاريخ غير ماركسى ( حيث يؤسس تاريخ للافكار يعتمد فيه على الجمع بين البنية الفوقية الثقافية والبنية التحتية المادية ، ففوكو يساوى ويجمع بين النظر والعمل بين الممارسة التطبيقية و النصوص النظرية وذلك عبر دراسته لاثر الفكر على الواقع فى مصطلح الخطاب الذى يساوى الممارسة بالمنطوقات النظرية بالابنية والهيئات المؤسسية )  ومؤسس للتاريخانية الجديدة ، ومصطلح القطيعة الابستمولوجية هو أحد اهم الاسباب فى موضة انتشار كلمة (مابعد post ) الذى غزت الفكر فى كل ميادينه .

      فالتاريخ عند فوكو " انقطاعات حيث لا تقدم ولا تطور (خطى )  وليس هناك سرد متتابع (متراكم ) بل تاريخ انقطاعات وتحولات وتخبطات (ليست ثورات كما عند بيكون ) لا تقع ضمن حدود الفهم الانسانى  ، هو تاريخ ممارسة وتاريخ مؤسسة ، وتاريخ خطاب "(22)

      ف " المعرفة العلمية تتكون عن طريق الخصام ، وتاريخها تاريخ فواصل وعثرات وعوائق ، وقد أوضح ميشال فوكو ان هذا الانفصال أصبح يحتل مكانة فى الدراسات التاريخية جميعها ، فاذا كان التاريخ التقليدى يعتبر الانفصال علامة على التشتت الزمنى (...) (فأن ) (التاريخانية الجديدة - على حد تعبيرى ) أصبحت تسعى الى اظهار الانشطارات داخل المواقع التى اعتبرت مواقع  الانسجام "(23)

       " فما كان يظن من قبل انه انتقاص وضعف فى العقل وكيفياته بات – مع الحداثة (يقصد المؤلف ما بعد الحداثة لان ابن داود عبد النور يعتبر الحداثة البعدية تطور اصيل فى الحداثة  ) – امرا مسوغا ؛ بمعنى ان القطائع والعتبات الفكرية تدخل فى صميم العقل ، حيث لا مكان للقراءات التبريرية الفجة ( التى تدعى معرفة كل العوامل والاسباب لظهور الافكار ) او للبناءات الارتدادية المغلوبة على امرها ( التى تحاول الوصل بين القديم والجديد فى ترابط وتسلسل منطقى وانسجام ) ، ومنه التركيز على اهمية الكشف عن مصادر المفاهيم المسلم بها من طرف الاسلاف ، واستعمالاتها المشروعة ، " واستخدام طرائق تسمح لها بان تحمل محمل الجد مسائل الماضى وادواته المفهومية دون اى اعتبار للحلول المقترحة ( ما تم تطبيقة فى ارض الواقع من خلال هذا المفهوم او ذاك ) بواسطة هذه المفاهيم ولا النتائج التى افضت اليها "(24)

  وهذه اشارة الى عدم الركون عند حدود المعطيات الماضوية والقبول بالشعائرية الفكرية ، فكل عصر يصنعه مناخه الثقافى ويعيش مزاجه وانطباعاته المتعلقة بتغيرات الحياة الاجتماعية والسياسية والابداعية ، اى ان ذهنية العصر التفكيرية او اسلوبية العقل تتولد فى رحم العصر نفسه  .

    " وقد تاكد ان المشروع الثقافى الغربى شيد بنيانه المرصوص على تاكيدات تاريخية مفادها اقرار مقولة التقدم واعتبارها حتمية ازلية ، وضرورة الية لعجلة التاريخ ؛ بيد ان الدراسات الانثربولوجية المتأخرة انتهت نتائجها الى تفنيد هذا الزعم المغرى والجذاب ، وبرهنت على مشروعية المجتمعات البدائية ذات الذهنية الخيالية ، لكن ليفى ستراوس يرفض بشدة ان يصف تلك المجتمعات بنعت البدائية او المتوحشة بهدف تميزها عن المجتمع الغربى وحضارته ، بل يكتفى باعطاها اسم المجتمعات ما قبل الكتابة او الباردة ، ذلك انها ليست خارجة عن النظام ، فهى تعيش نظامها الخاص ، فالكل ( فى المشروع الثقافى الغربى ) يدخل فى سياق واحد ، اسوة بتدريجية التسلسل الموصوفة بها الطبيعة نفسها ، وهذا ما يمكن تلخيصة فى مبدأ التراتبية التى عملت عصر الانوار على تكريسه ، سيما الفكر الهيجلى الذى يبرر سطوة الوحدة وانكار التكثر الظاهر باسم الية الجدل حيث نظر الى التاريخ على انه مجرد كتل متشيئة وعلاقات متجزئة ، ليس الغرض منها سوى تجسيد المطلق العقلى ، الامر الذى يؤدى الى اختراق خصوصية الفردى واضمحلال فكرة العتبة فى التاريخ ، ومنه القبول بسذاجة الاحداث التاريخية واعتبارها تعاقبات حدثية ليس اكثر .... لذا بامكان اى مجتمع ان يحيا وينشط ويتحول ، فليس مقبولا وضع الحضارة الغربية فى اخر مطاف لمسار كل الحضارات الانسانية ..... فالقول بقسرية التطور ينم عن فكرة تمركزية مفادها ايجاد رابط بين تتبعات الاحداث المسطحة لا تعرف النتوء "(25)

      " ان الابحاث الاركيولوجية التى افتتحها فوكو كانت بمثابة التنقيب والحفر عن الاسس التى نهض بمقتضاها العقل الغربى ، وانبنت عليها العلوم والمعارف منذ مطلع عصر النهضة فكانت تلك الطريقة التنقيبية تبحث فى النصوص والخطابات عما لاتقوله وعما تسكت عنه ، كانت تحاول تعقل فى صميم الفكر ما لم يعقل وما جعل قيام العلم امرا ممكنا "(26)

      "وبما ان ارشيف الثقافة متشظ ، فان فوكو يفترض أفقا عاما لها هى اركيولوجياه ، وهى اركيولوجيا تعرف بما ليس فيها ، لانها ليست بحثا عن البدايات ولا لتعريف الخطاب نفسه ، ولا بتاريخ الافكار ، باعتبارها ليست تأولية ، ولا تبحث عن التحولات ، وليس لديها تطورات بطيئة ، ولا ندرك اللحظات الزمنية فى أفقها ، وهى لا تصوغ ما حدث للتفكير فيه ، وما طمح اليه او ثبت ، بل هى وصف منظم لموضوع الخطاب نفسه عبر شبكتة اللاواعية."(27)

     " وتعد الابستيمات هى الكشف الحاسم للتاريخ الاركيولوجى ؛ حيث يكون الابستيم هو القبلى الاجتماعى ،  و ليس ثمة اسس مطلقة للفكر الانسانى لكونها تتغير من ابستيم الى اخر فالتاريخ الاركيولوجى هو تاريخ العوالم المختلفة التى عاينتها عيون البشر المختلفة "(28)

      ان اشد الهجمات ضراوة ضد نظريات التاريخ التاريخانية لتلك التى نجدها فى اعمال ميشيل فوكو وعادة ما يأخذ عمله شكل اثبات مفهوم شئ ما يفترض تاريخ الترتيب الزمنى ان ليس له تاريخ  " فهو يحاول انتاج منهج جديد فى البحث التاريخى يدحض افتراض وجود اجمال متطور ومتقدم كونى " فيبدو تفكير فوكو فى التاريخ كانفصال تاملى نقدى ، حيث يبدو الانقطاع فى التاريخ وكأنه امام أحداث عشوائية لا مترابطة  يبحث فيها فوكو عبر مستوى عقل لاواعى ايجابى تحكم فى التاريخ فلا يوجد تبريرات ولا تفسيرات تاريخية ، وانما تحليل لوثائق وخطابات ومؤسسات وممارسات عبر طبقات تاريخية متعددة .(29)

      ورغم تنكر فوكو من التاريخ فاعماله على اتصال وثيق بالتاريخانية الجديدة أو المادية الثقافية حيث ان ارشيف الوثائق عند فوكو والذى يحلله اركيولوجيا ملئ بما هو غير معتاد من ادب وممارسات اجتماعية و هيئات مؤسسية .

·       الحداثة =   modernism

       وهو مصطلح يختلف عن التحديث modernization فالتحديث هو تطور طبيعي للأشياء أو بفعل فاعل , و التحديث تعبير اكثر عن التطور الحادث في الظواهر المادية الملموسة للحداثة أي التكنولوجيات .

       و هناك من الباحثين من يفرق بين Modernity  و Modernism  ؛ على اعتبار Modernity تشير للحداثة كحركة سياسية اقتصادية اجتماعية  فكرية ، وان Modernism  هو الحداثة الفنية و الفلسفية , و أنا ارفض ذلك لأنني أجد إذا كان ذلك كذلك فعلى أي شيء تتأسس ال Modernity : على مجموعة من الأفكار ,أو مجموعة من المنطوقات على حد تعبير فوكو ، أذن هذه الأفكار او المنطوقات  تلخصها الفلسفة الدارسة للثقافة أو للأنساق الفكرية  بالمعنى الواسع للفلسفة , التي  تتناول الثقافة بوعي شامل وعميق وتستخرج منها أسسها الفكرية و المعرفية و الابستيمية  و اللاواعية ، فتكون Modernism  هو أساس ال Modernity على اعتبار أن مقطع ism يعنى نزعة أو توجه فكرى عام أذن فلنستعمل فقط Modernism لكن المشكلة هنا تنشأ مع تلك الاتجاهات  التي تهمل البنية الثقافية الفوقية للمجتمع , و تتعامل مع البناء التحتي كبناء أساسي منفصل للمجتمع  , و تقدم التفسيرات السيسيو اقتصادية للمجتمع مع استبعاد البنية الفوقية تماما- الماركسين-  فيضطر الباحث من هذا الاتجاه للتأكيد على التفرقة بين Modernity  و Modernism  وهو ما لا ارتاح له مطلقا في إطار المنظور التكاملي بين البنيتان الفوقية والتحتية وهو ايضا ما لا يرتاح اليه فوكو كمؤسس للمادية الثقافية كتاريخانية جديدة ، فعلينا ان لا  نتجاهل أي بنية أو نفضيل بنية عن الأخرى وهو منظور فوكوى بالاساس كما رأينا ، فالعلاقات بين البنيتين اكثر تداخلا .

      كما أن كلمة Modernity  تعنى في بعض الحالات العصرنة وهى حركة لاهوتية لتحديث الدين المسيحي ويوجد فى تطورها  Post- Modernity بمعنى العودة مره أخري إلى ما قبل العصرنه الدينية إلى الأصولية . وهو رد فعل لازمة الحداثة .

 ربما يقول البعض post modern  باعتبار أن modern  مشتقة من الأصل اللاتيني modo   و الذي يعنى الآن فقط ، فتكون كلمة  post modern  تعبير عن الحاضر المباشر الذي يستحيل إمساكه باعتباره اصبح ماضي بمجرد لفظ الكلمة , تعبير عن النظرة اللاتاريخية للعالم . وهى نظرة فوكوية ايضا . ففوكو يهتم باللحظة الحاضرة فهو يقول " احلم بالمثقف هدام القناعات والبديهيات العمومية . احلم بالمثقف الذى يستكشف فى عطالة الحاضر واكراهاته نقاط الضعف والشقوق وخطوط القوة . احلم بالمثقف الذى يتحرك باستمرار ، دون توقف ، غير عارف اين سيصبح غدا ، ولا بماذا سيفكر غدا ، لانه شديد الالتصاق   بالحاضر "(30)

      و الحداثة هي الكلمة المفتاح التي يعبر بها عن عصر التنوير أو عصر إعلان الحداثة , وهو العصر السابق على ما بعد الحداثة ويعد فهمنا له أساسيا في محاولة فهم ما بعد الحداثة كموقف مغاير ينطلق من نقد الحداثة .

      ف " تمثل ما بعد الحداثة - عند البعض - حركة فكرية تقوم على نقد، بل رفض الأسس التى تركز عليها الحضارة الغربية الحديثة، كما ترفض المسلمات التى تقوم عليها هذه الحضارة، أو على الأقل ترى الزمن قد تجاوزها وتخطاها. ولذا يذهب الكثيرون من مفكرى ما بعد الحداثة إلى أعتبارها حركة أعلى من الرأسمالية. أن عصر الحداثة عندهم أنتهى بالفعل، وما بعد الحداثة ، تهيئ ، بأعتبارها نقدا له ، لقيام مجتمع جديد يرتكز على أسس جديدة غير تلك التى عرفها المجتمع الغربى الحديث(31)

و يعبر ايضا عن ما بعد الحداثة فى اطار مصطلح اخر هو

Anti - fundationalism

Anti = ضد       fundationalism =الأسس

           و نجد أن هذا المصطلح  ما بعد الحداثة موجود في كل مجالات النشاط الإنساني , ولا سيما ذو الطبيعة المعرفية. والدورة المعروفة لآي مصطلح تبدأ بظهوره فى مجال محدد بمعنى محدد ثم لا يلبث أن تتناقله الصفوة في المجتمع وبخاصة السياسيين والإعلاميين ويستخدمونه على نطاق واسع ؛ فيكتسب معاني غير المعاني المحددة , ويكسبه كل نشاط إنساني معنى يحوى قدرا كبيرا من الاختلاف عن المعنى المبدئي , بل لا يلبث بعد قليل أن يصاب المصطلح بحالة من الغموض والتشظى الداخلي تجعله عصى عن التحليل. فضلا عن ان هذا المصطلح بالذات اراد لنفسه ومنذ البداية ان يكون غامضا ملتبسا مثيرا للجدل يلخص قاعدة : كل شيء مركب متداخل معقد عصى عن     التنظير .(32) وهى احدى اهم قواعد ما بعد الحداثة .

تتخذ ما بعد الحدثة شكلان للتعبير عنها (33) 1 – تحدى التقاليد و السلطة و ازدرائها و الترحيب بالجديد و اعتناق الصادم والغريب و الدخيل . 2 – السعي الدؤوب لمحو رؤية الحداثة من كافة المؤسسات وإخضاعها للتحليل النقدي و العمل على تفعيل المصطلحات السائدة لما بعد الحداثة في المجتمع وهى مصطلحات تبدأ بالمقطع De بمعنى النفى أوRe  بمعنى أعادة . ( لا ننسى ان فوكو هو اول من فعل ذلك فلسفيا و حياتيا ) 

      نعود لمحاولة فهم الأسس الفلسفية التي ينبني عليها موقف عصر  ما بعد الحداثة  بطرح ذلك السؤال ما هي الحداثة ( modernism ) أصلا  ؟ تلك التي هجرتها أو قاطعتها ما بعد الحداثة  . ( سيطرح كانط هذا السؤال ولكن فى بداية عصر التنوير متسائلا ما   التنوير ؟ وهو سؤال عن الحاضر مؤسس لفلسفة انطولوجية حول الحاضر وسيكون كانط له الريادة قبل فوكو فى الالتفاته الفلسفية للحاضر ومسائلته )

        الحداثة مفهوم غربي ظهرت إرهاصاته في عصر النهضة الأوربي ، وعلى يد ديكارت بالتحديد ، أعلن رسميا في عصر التنوير على يد كانط ، حتى أن البعض يرى أن الحداثة والتنوير لهم معنى واحد ، والحداثة هي جوهر الحضارة الأوربية الحديثة ، فالحداثة حركة ثقافية يحلوا للبعض تفسيرها سسيو اقتصادى بانتقال النظام الاقتصادي  الإقطاعي الزراعي إلى التجارة ثم الى الصناعة ونشأة طبقة جديدة في  المجتمع  هي  البرجوازية      ( التجارية أولا فى عصر النهضة والصناعية ثانيا فى عصر التنوير ) التي حاولت تأسيس قيم خاصة بها في مقابل القيم الاقطاعيه القديمة و أعلنت الحرب مع الإقطاعيين الذين يشكلون الحرس القديم الذي يسيطر على السلطة الدينية والسياسية  ، وكانت  الثورة الفرنسية هي ثورة التنوير بحق بمبادئها الثلاث الإخاء ...المساواة... الحرية.  لكن الحداثة حركة فكرية اكبر بكثير من هذا المنظور المادي فالحداثة تعتمد على مبدأين محوريين وغاية في الأهمية تجعل منها حركة عالمية  صنعت في أوربا وصدرت إلى باقي أنحاء العالم(34). وهى تتأسس على مبدأين(35):

أولا : مبدأ ميلاد الفرد  Individual Brian :

       أي أن الإنسان الفرد لابد أن يكون حرا فاعلا له قيمته واحترامه وكرامته باعتباره إنسان ومواطن ، فلا حدود لحرية الفرد ( سيكتشف فوكو ان هناك حدود لحرية الفرد هى الالتزام بالعقلانية ) ، الفرد فى مقابل السلطة والمجتمع . الفرد كفاعل له دوره فى صناعة تاريخ مجتمعه.

       نجد ارهاصات البداية عند من يسموا بإنساني عصر النهضة و التي نظر لها ديكارت بالكوجيتو الذى يبدأ بالذات المفكرة ( انا أفكر  أنا موجود ) وهى ذات اقصائية للذوات الاخرى غير المفكرة  ويرجع الفضل لكانط اذ انه " أول من أسس مفهوم الذات ..... فبدأت الذات تحوز منزلة هامة في الفكر الفلسفي إن ذلك كان بعبارة فوكو "مولد الإنسان" الذي ما لبث أن وجد حتى مات "(36). " فمفهوم الذات كما يقول دولوز(37) هو ممضى بالاكيد من قبل كانط مؤسس التنوير الاوربى باعتباره خروجا عن كل أشكال الوصاية والسلطة  و." وهذا بالتحديد خروج الانسان عن كل اشكال الوصاية والسلطة هو ما يعنى فوكو فى الفلسفة الكانطية التنويرية برمتها وما يتفق عليه فوكو بحذافيره اذ يتشابه مع رؤيته الفلسفية فهذه هى الروح الكانطية فى الفلسفة الفوكوية .

      فتحت تأثير الصوت الكانطي الذي أكد على ضرورة معرفة " كيف يجب أن نتوجه في التفكير"، عكف على  مواصلة المشروع  الكانطي  التنويري و الكشف على كل أشكال الوصاية واكد ضرورة الإنعتاق منها ، فإن كانط يمثل بالنسبة لفوكو الأفق الذي سيساعدنا على التحرر(38).

     الذات التي يتحدث عنها فوكو ( ذات ما بعد الحداثة - ولا سيما فى كتاباته     الاخيرة ) هي ذات تصنع نفسها وتشكلها وتحولها بالتجارب وداخل التاريخ. رغم ان فوكو اعلن " موت الانسان " فى كتابه "الكلمات والاشياء ". واعتبر نفسه فيلسوف لا انسانى . وهذه هى المفارقة انه كيف لمن اعلن وتبنى موت الانسان كنقد للذات الحداثية ان يجعل من الذات هما اساسيا لتفكيره    الفلسفى ؟

- موت الانسان عند فوكو يتخذ شكلان : اولا موت الانسان كحقيقة عيانية  واقعية : ( فالحقيقة عند فوكو تظل فى نظرة عديمة القيمة الا ضمن البنية الاجتماعية التى تحددها وتنطق بها ، اى ان الحقيقة صناعة اجتماعية ، " ففوكو من الفلاسفة اللذين  لم يجتهدوا في البحث عن الحقيقة أو عن مفاهيم كونية مجردة لا تتصل بالممارسة اليومية للإنسان بل اكتفى بالتنقيب والتوجه إلى الحقائق العينية المباشرة. فأثر الفكر على الذات  هو الذي كان دوما أكثر الأشياء إلحاحا في طريقة التفكير لدى فوكو"(39). و فلسفة " فوكو لا تؤسس حقائق أبدية  وإنما هي  تحلّ وتفكّ بنى تجمدت في هيئة حقائق دائمة بفعل استراتيجيات الخطاب أو بالأحرى بفعل استراتيجيات السلطة " (40).  والحقيقة التى يكشف عنها الواقع العينى هى ان حضور الذات فى تراث التنوير يتراجع نتيجة تعاظم الصيغ الخطابية ، و ظهور العلم النسقى حيث ينفى سيادة الذات الفردية على العالم ، وبذلك يتحدد موقع العقل الفردى ضمن دائرة الثنائيات المتوالدة       ( عقلانى مقبول اجتماعيا ، لا عقلانى مختلف مهمش اجتماعيا  ) التى تعكس اجراءات الاستبعاد المنهجى ، فاما ان تمثل الذات فى صورة امتثالية (مساير للسياق –العقلانى - )، واما ان تتمثل الذات فى صورة اختزالية على هامش السياق         ( المجانين – المساجين – الشاذين )(41)

       وفوكو يلاحظ - حيث انه ينظر لما يحدث يوميا وفى كل آن وفى كل موقع - "موت الانسان " اى انتفاء فاعليته فى عصرنا هذا ، " ان انسان العصر الحديث فى مغامرة اكتشاف الوعى يجد كينونته محاطة عنوة بالواقع الاستلابى "(42) ويعتبر فوكو ان ذاتية الانسان تمثل فجوة فى خطاب الحداثة نتيجة تواجدها ضمن الثنائيات الاقصائية التى طمست الخصوصية دعما للابنية العقلانية من جهة ، واقصاء فعالية الاختلاف من جهة اخرى ، فتتحول هذه الذاتية الى حضور ماهوى بلا جدوى .(43) وهو- اى فوكو - اذ يمارس نقده للحداثة فى قضية الذات وفاعليتها فانما هو بموت الانسان يحدد انزلاقات العقل الحداثوي ضد الحداثة نفسها وضد الحرية ، حرية ممارسة الذات لذاتها على وجه الخصوص. فوكو كان يفكر ويبحث في أفق فلسفة الذات التي هي فلسفة الحداثة بالضرورة حيث يستعيد فوكو مسألة الذات بعد تحطيمها في بنى العلم الوضعي و يتعلق الأمر لديه بإعادة التفكير في تناهي الذات بتحديد " ضروب سجنها وضروب انفتاحها في الوجود(44) "

      " فالانسان موضوع بين خطابات مستقله عنه (...) فنحن دوما تتقاذفنا وتمزقنا إربا  تلك القوى التى لا قبل لنا بها ،فهى تحدنا وفى بعض الاحيان تدفعنا باتجاهات لا نرغب فى الاتجاه نحوها . بيد اننا فى نفس الوقت فى صراع مستمر معها للسيطرة عليها ؛ولعل غاية ما نصبو اليه هو ان نركب تلك القوى من دون ان  نسقط وتسحقنا بأقدامها "(45)

       ويحذرنا ابن داود عبد النور  من انه : " لا ينبغى الاعتقاد بموت حقيقى للانسان ، والا وقعنا فى فخ التشاؤم ،(ف) الامر عند فوكو يأخذ منحنى جديدا حين يركز على تجديد الرغبة فى الحياة ، متبعا خطوات ملهمه نيتشه ، بمعنى الاهتمام المتزايد بالاشكال الفردية المنتشرة فى اسقاع العالم ، فالقطيعة التى ينبغى ان توقعها الحداثة لا تكون بالفرار من ميراث الماضى وحسب ، ولكنها تمتد الى خلخلة الفهم الذى يؤطر الذات ،وهذا يدل على تشكيل أرضية لاعادة انتاج الذات من خلال المراجعة ، فالانسان الانوارى ضائع عند مفترق طرق ،وبالتالى فهو مائت لا محالة ، فمن هذا المنظور تصبح (ما بعد ) الحداثة هى مشروع الذات الغربية ،لانه لايجدى اعتبار الذات مجرد تابوت فرعونى او مومياء محنطة تخنق حضارة الغرب ،لذلك ف(ما بعد ) الحداثة هى استنزاف لمشروع الانوار ،انه السبب الذى دفع بالجيل النيتشوى الى تفعيل العقلنة من خلال مسح اللامعقول والاهتمام بتجلياته ، وتأسيس خطاب متواضع للصمت المطبق من حوله (46)."واذا كان العقل لا يستطيع ان يعقل الا كل ما هو كلى وعام ،فقد صار محتما عليه ان يدرس الفرد والمختلف والخاص من حيث الشروط والعمليات والظروف التى تنشئ الفردية . وهى الحالة المسيطرة اليوم فى مختلف مجالات العلوم ،حتى منها المادية والحيوية . ووحدها للاسف بقيت العلوم الانسانية ردحا طويلا من زمن تتابع اساطير التوحيد الافتقارى لموضوعاتها وادوات تحليلها ، لكن الزلزلة اصابتها أخيرا ،وابتدأت رحلة تصحيح الحداثة بما يتجاوز انظمتها المعرفية التقليدية ،و يفتح أمامها ثراء لا متناهيا فى اكتشاف الجزئى والتفصيلى والعابر والهامشى ، اى كل ما كان يعمر أرض هذا الواقع وتجاهلناه طويلا "(47)

ثانيا : موت الانسان كموقف عند فوكو : ففوكو يعتقد بتناهى الذات الانسانية و قد  أسس كانط لهذا التناهى  بطريقة غير مباشرة  بإعلانه عن تناهي الكينونة الإنسانية فى تناهى العقل الانسانى من خلال نقد العقل الخالص وذلك كما ترى نعيمة الرياحى الا ان  " وعود عصر الانوار اصطنعت عمدا الذات اللامتناهية لاسقاط خصائص المطلق الميتافيزيقى على سطحها " (48) ان اعلان موت الانسان يتشابه مع اعلان موت الاله الذى كان على  يد نيتشه ، وكانت دوافعه هى الرغبة فى استعادة الذات الا ان الذات ، كانت ذاتا تجريدية تقف قبالة موضوع تجريدى ف"التنوير الغى اطلاقية الموضوع اللاهوتى أعلن موت الاله ،ليتقمصه فى الذات الانسانية "(49)

" لا غرو ان لاحظنا التصميم الجرئ الذى يبديه فلاسفة الاختلاف حيال موضوع الانسان ،التى كانت بمثابة الطبق اللذيذ لمعالجات الكلاسيكيين ،وذلك يعود الى الصورة المشوهة التى طبعت تلك التحليلات ؛فالامر يختلف كثيرا حين نتكلم عن الانسان بأل التعريف والذى يعنى الكلية والشمول ،لكن ان نتكلم عن انسان بغير أل التعريف ،فهذا يعنى تعريه المفهوم من تجريداته ،او ازالة الروح الماهوية عنه ،واعتباره مجرد كيان من بين كيانات متنوعة ومختلفة فى الوقت نفسه ؛ وهنا يتأكد تنحية الصيغة الكليانية ،والاعتراف بخصوصية كل كيان على حدة ،وهذا يدل على تخليص الانسان من بوتقة الشامل الذى يفرض سلطانه ويلغى التعدد . لقد ارتبطت الممارسة النظرية الكلاسيكية بصرح التكوينات الغرقة فى وشائج الانسانى المتصور بشكل يمكن وصفه  بالاسطورى ، حيث نجد مشروع الانسان ذا صلة بالمسحة البطولية ،والتى اشبعت الخواء النظرى الذى كان يعم المرحلة التنويرية ". " التنوير لا تهتم بالحديث عن الانسان الواقعى ولا عن التاريخ الحى ،وانما نجد ان محور اهتمامها يتمركز حول مفهوم مجرد معين للانسان والتاريخ ،وهو انسان الفلاسفة وتاريخ الفلاسفة كما يقول فوكو ،فانسان الفلاسفة وهم يجب التخلص منه ،انسان تحجر ولم يعد اداة خصبة لانتاج المعارف ،بل صار عقبة معرقلة لها نظرا للمدلولات المبهمة التى تنبثق عنه " (50)

      وكان ذلك بمثابة اغتيال واضح وصريح للفكر الوجودى الموسوم  بالانسانية ، ف" فوكو فهم من لفظة الانسان ( الذى اتخذ موقف اماتته ) ذلك التجريد الاطلاقى لنظام معرفى الغايه منه توطيد دعائم الوحدة المعقلنة .... ، وفرضها على التاريخ والعالم باسم الانسان ؛  ينتهى فوكو الى تاسيس رؤية فلسفية متجاوزة للنزعات الانسانوية "

" يمكن القول أن فوكو رائ فى حرص التنوير على موضوعية المعرفة غطاء للذاتية المطلقة التى عبرت عنها بمثال الكمال (...) فالكمال يعنى تطابقا كاملا بين الذات والموضوع ، الذى ينحل ...كاستحواذ كامل من قبل الذات على الموضوع ،(...) فهى استبدلت المطلق اللاهوتى بالمطلق الانسانى ؛ فيكتشف فوكو بسهولة ان اللامتناهى يظل أصلا للمتناهى ، والغيبية هنا تظل تحمل على المفهوم الانسانى كما كانت تحمل للمفهوم اللاهوتى بمعنى انه يجرى الانتقال من جوهر او ماهية الهية ،الى جوهر او ماهية انسانية (...) فحين تصدى فوكو لابستيمولوجيا العلوم الانسانية ،ولمفهوم الانسنوية بذاته ،انما كان يقصد انزياح هذه الايديولوجيا الخفية من سطح الممارسة الى اصول لعبة الحداثة الغربية وجذورها الضاربة فى انطولوجيا المشروع الثقافى الغربى كله (...) حداثة التنوير اذن لم تفعل سوى انها نقلت الميتافيزيقا من قطب الموضوع الى قطب الذات ،فصعدت من مفهوم الذات وحدودها من مستوى حجمها الفردى والمتناهى الى مستوى الذات المطلقة التى تعزو لنفسها كل ما كانت تعزوه للذات الالهية كموضوع للمعرفة المطلقة (...) هكذا لم تخرج حداثة التنوير من ذات الخطاب الميتافزيقى واللاهوتى (...) ذلك انها استبدلت اسم الاله او الوجود المطلق باسم الانسان "(51)

      وبعبارة اكثر سهولة لنعيمة الرياحى توضح ان موت الانسان عند فوكو يقصد به الانسان بمعناه الشمولى وليس الذات الفردية  ف" التعارض بين البحث في الذات والبحث في الإنسان ما هو إلا تعارض ظاهري ، أما في العمق فتوجد وحدة بين المسألتين . ذلك أن "موت الإنسان" ما هو إلا شرط  لتجربة الذاتية  بما هي ذاتية، أي للذات المتحررة من الصورة المقلقة والغامضة للذات." يجب أن يزول وجه الإنسان لكي تظهر  وتتحفز مختلف أشكال الذاتية المتغيرة"(52)

      " شرح فوكو التحول الحاسم فى تاريخ الانثربولوجيا الثقافية ،حيث اشتبكت القوى الكامنة فى الانسان مع قوى جديدة خارجية هى قوة المتناهى ؛وهى :الحياة ،والعمل واللغة ،ويتمركز هذا التحول فى انتقال الانسان من افق اللامتناهى الذى كان يقيم فيه قواه وقوى العالم بحسب منظوره ،الى افق المتناهى ،فاصبح الانسان داعية لتناهيه ،ومنه يكون انكار فوكو لوجود الانسان بالحرف الكبير يتجه نحو هذا التغير الذى يصيب وعى الانسان لمفهومه بالنسبة لذاته ،والتى يحقق فيها الانسان وعيه بحقيقته ككائن متناه (...) ، هنا تحدث القطيعة بين انثربولوجيا العصر الكلاسيكى وانثربولوجيا عصر الحداثة ،ذلك ان الكلاسيكى لم يكن يملك فى خطابه عن العلوم الانسانية والعلوم المادية معا انثربولوجيا حقيقية ،اذ كان ذلك الخطاب مشبعا بالامتناهى ؛حتى عندما يلح هذا  الخطاب على كون الانسان متناهيا ،فانه يضع تناهيه ذاك فى منظور اللاتناهى كفكر أو كأمتداد ،لذلك كان هذا الخطاب الانسانى جدا ليس انسانيا تماما ،فالقطيعة التى حققتها أو يجب أن تحققها الحداثة هو الخلاص من هذا الانسانية شبه الالهية "(53)

       " تبين جينالوجيا الفرد الغربى عن الصورة التحليلية للحضور الذاتوى نتيجة اختفائه وسط تشعب السياقات ، اما ان تكون معرفية (فالذات مشتته عبر المنظومة الابستيمولوجية )، واما ان تكون اجتماعية ( الذات منقسمة حسب الاعتبارات المعيارية ) أو سلطوية ( الذات منشطره وفق تدافع القوى وتنابز العلاقات ) وبالتالى يقرر فوكو مكاشفة اخطاء وانحرافات فكر تحليلية الذات فى حاضروية الحداثة ، بينما يذهب بعض المفكرين الدارسين للفكر الفوكوى ان الاركيولوجيا تقصى الانسان من حقل الانظمة المعرفية لحساب البنيات اللاشعورية فى القول المعرفى ، ويتضح بالعكس ان المنهج الاركيولوجى يعمل على استخراج تقنيات اقصاء الانسان من طرف الانظمة المعرفية فى سبيل تحقيق الثبوت البنيوى للعقل ، وبذلك يفضح فوكو الية التشوه الانسانوى فى العصر الحديث " ومن هنا ينبغى ان تفهم ثورة الاركيولوجيا من حيث انها عندما تعلن عن زوال الانسان او قرب زواله ، انما تقصد تلك القطيعة المنتظرة التى ستحل فى نظام الانظمة المعرفية ،(..) تلغى الانسان الكائن والواقعة التاريخية واليومية تمنع كثرته وتعدده لصالح هيمنة الرؤية الوحيدة لماهية لامتناهية واحدة لانسان هو فى التحليل الاخير ،ليس سوى نتاج ايديولوجى محض لاستراتيجية حضارية سياسية طبعت المشروع الثقافى الغربى " (54)

     "و لعل فوكو يحقق طفرة نظرية تميزه حين يعلن ان انسان الحداثة هو حضور بغير فاعلية علية نتيجة سيادة نموذج احادى البعد من العقلانية التى تهدف الى احتكار الاختلاف وهذا يعنى ان نقد الحداثة هو بمثابة نقد ايديولوجيا      البؤرة ."(55)

     كل ما فات من شذرات وفقرات ماخوذة و مقتبسة من هنا وهناك ، تعبر عن موقف ميشيل فوكو من الذات الحداثية ومبدأ ميلادها الذى يتفق معه فوكو فى الصميم النظرى الا انه يلاحظ فشل فى تطبيق الحداثة عبر مؤسساتها وممارستها وخطابها لهذا المبدأ على ارض الواقع .

ثانيا : العقلانية Rationality   :  العقل فى مواجهة الخرافة والدين ، تنصيب العقل كسلطة فى مقابل سلطة الدين القديمة ، ملكات العقل لا حدود لها ، لكل معلول علة  العلاقة cause  effect  السببية reason   و بالاشتقاق من هذين  المبدأين نرى العديد من الخصائص العصية على الحصر لهذه المرحلة     ( تقديس العلم – النزعة للسيطرة على الطبيعة والتحكم فيها - فصل الدين عن السياسة – الثقة الكاملة في العقل الإنساني – إهمال القيم الروحية والعاطفية والجمالية  – الإيمان بالديمقراطية )

      وقد شكلت عقلانية التنوير خطورة بسلطويتها ( بفرضها لسلطة مطلقة للعقل) على الذات وحريتها تقول نعيمة الرياحى " فرضت المرحلة  المعاصرة تطور سلبي لاستعمال التعقل و انعكس ذلك على مفهوم الذات ومنزلتها لا كذات عارفة أو أخلاقية بل تتحول هذه الذات لتصبح محددة في علاقات بين ذاتية معرفية وسلطوية  معقدة جدا. " " كيف نستطيع أن نفصل بين العقلانية اوآليات وإجرائيات و تقنيات وآثار السلطة التي تصاحبها " كما يقول  أدرنو وهوركايمر " كيف تحولت الحداثة من مشروع تنويري تحرري إلى سلطة وظلمات وتطرّف في كل معانيه ؟ عصر التنوير قد وعد الإنسان بالحرية ولكنه ما لبث أن  تخلى عن وعده.  "(56)

     نعود لموقف فلاسفة ما بعد الحداثة من مبدأى الحداثة : فان كان المبدأ الاول شهد تطورا فان المبدأ الثانى شهد تراجعا شديد فتتضح لا عقلانية فوكو ( كرائد لما بعد الحداثة ) فى قراءته الشهيرة لتأملات ديكارت ( رائد العقلانية الكلاسيكية فى العصر الحديث وصاحب مقولتها الاولى فى الكوجتو  ) ضمن كتابه تاريخ الجنون ، وخاصة التأمل الديكارتى الأول، المسمى بالكوجتو ( انا أفكر أنا موجود )  على أعتبار أن النص الفلسفي كعلامة من علامات عصره، شيء منبثق من نفس الأرضية التي أنتجت ما هو عملي (الحجز : حجز وعزل المجانين فى مستشفيات مغلقة )، فكل خطاب هو قبل كل شيء ممارسة تاريخية يتجذر مضمونه وشكله في الشروط التاريخية التي سمحت بتشكيله وصياغته.

     نجدها هنا مناسبة للتفريق بين النص والخطاب كما أوضحه لنا فوكو الخطاب : ( Discours ( Discourse : :  ليس نظاما لغويا او نصوص فقط , وانما هو وقبل ذلك ممارسة , هذا ما يفرق فوكو عن البنيويين . ربما النص بدا كعلامة تشير الى مضمون  واقعى , كتأمل ديكارت الاول كمنطوق نصى و ممارسة حجز وعزل المجانين كمنطوق ممارس ، فالمعرفة لا تتجسد فى النصوص النظرية والوسائل التجريبية فقط , بل فى هيئة كاملة من الممارسات والمؤسسات , ونستطيع عن طريق تحليل العبارات المكونه للخطاب والتى هى المنطوقات عند فوكو , ان نكشف عن (الابستيمة) وهى شبكة تحت الارض         ( المقصود لا واعية )  تسمح للفكر بتنظيم نفسه لكل حقبة تاريخية , فليست هناك أفضلية للنظري على ما هو عملي، أو العكس، لكونهما ينتميان إلى نفس التربة الابستيمية .(او تربة المقولات المعرفية أو نظام الخطاب )

      قامت سارة ميلز(57) بتحليل استعمال ميشيل فوكو لمصطلح الخطاب  فهو " شبكة معقدة من العلاقات الاجتماعية والسياسية والثقافية التى تبرز فيها الكيفية التى ينتج فيها الكلام كخطاب ينطوى على الهيمنة و المخاطر فى الوقت نفسه " فالخطاب مجال عام لانتاج وتداول العبارات التى تخضع لمجموعة من القواعد والاحكام " " مجموعة من المنطوقات التى تشير إلى مجموعة من العناصر والمشكلات التى تتطلب التحليل ، مساحات لغوية تحكمها قواعد وكلمة الخطاب عند "جان ميشيل آدام  : خطاب = نص +سياق  ، نص = خطاب – سياق وهو يشير عند جوليا كريستيفا الى كل لفظ يحتوى داخل بنياته الباث والمتلقى مع رغبة الاول فى التأثير على الاخر " ونلاحظ فى كيفية استعمال فوكو للخطاب فى مناقشاته للقوة والمعرفة والحقيقة ان تلك التركيبة الثلاثية القوة      (علاقات السلطة ) ، المعرفة ، الحقيقة هى تلك التركيبة الاساسية للخطاب عنده  " كما تلاحظ ان عمل فوكو لم يكن للكشف عن حقيقة الخطاب بل كيفية تقديم نفسه كخطاب مهيمن اى انه ركز على تحليل تداوليات الخطاب " وترى ان  "الصراع الايديولوجى هو جوهر تركيب الخطاب " فالخطاب محمل بالسياق لاسيما المعرفى والايدلوجى " .

       اجدها ايضا مناسبة للحديث عن نظرة فوكو للمعرفة لا باعتبارها نسق مكون من حقائق يقينية ، ولكن بأعتبارها مواقف نسبية تختلف بأختلاف المنظور العقيدى أو الاخلاقى أو الفكرى ، فكل معرفة نسبية  يصوغها المجتمع أو الجماعة صياغة خاصة أو خطابا خاصا يتفق عليه لخدمة مصالحة وتأكيد قيمه بصرف النظر عن الحقيقة ، فالمعرفة فى نظر فوكو تاريخية واجتماعية تتخذ صورة أحكام تصاغ لغويا لتضع العالم فى قوالب ، لصالح من يصنعونها حتى يسهل عليهم تصنيف الاخرين (58)  وسيعمل كل من هو فيلسوف ما بعد حداثى على تأكيد هذه الفكرة سواء ديلوز بنقده لعمومية التمثل الادراكى عموما او رورتى رائد ونبى البرجماتية الجديدة فى أمريكا والتى ترى وتعتقد فى اجتماعية المعرفة .

      والتربة الابستيمية .(او تربة المقولات المعرفية أو نظام الخطاب ) هى التي جعلت "الكلاسيكيين" لا يرون إلا ما عبروا عنه من خلال تأمل ديكارت  الاول ، وما مارسوه من خلال حجز وعزل المجانين . في هذا المنحى فإن مسألة الخير والشر كقيمتين أخلاقيتين كانتا مبطنتين لمسألة العقل واللاعقل، بالرفع من مكانة "العقل" والدفاع عن الإنسان الذي يقع "ضمن نطاق العقل". بطبيعة الحال، تم تفضيل جانب العقل على ما يعارضه. وما يترتب عن ذلك من سكوت وتهميش وإقصاء للاعقل ، فى  الحمق (59).

      يقول فوكو: "هل يمكن للعقلانية أن تتصور بشكل متناقض حمقا لا يكون فيه العقل مختلا، لكنها ستقر بوجوده عندما تعتبر أن حياة الفرد الأخلاقية فاسدة وإرادته سيئة. فسر الحمق يكمن في طبيعة الإرادة وليس في كمال العقل". يظهر أن معنى عبارة "الوقوع ضمن مجال العقل" هو الاتصاف بالإرادة الخيرة التي تريد وتعمل وتجتهد على أن يكون أصل ومبتغى فعلها هو الخير، أي "الإصابة في الحكم"، بتوظيف "منهج" يحمينا، نحن الكائنات المتناهية، من عدم استعمال الملكة التي توجد عند جميع "البشر بالتساوي" (=العقل السليم)، استعمالا منتجا(60).

      يتبين لنا من ما سبق أن العقلانية الديكارتية ترجع السلوكات الأخلاقية إلى مسألة الإرادة، لأن الأحمق والعاطل أرادا بإرادتهما الذاتية أن يكونا كذلك. فهناك مسلمة تنطلق منها فلسفة ديكارت وهي القول بأننا "نقبل بسهولة إصابتنا بالحمق، لكوننا نريد ذلك". وهذا ما يجعل الحمق، على خلاف وضعه في عصر النهضة، ينشأ من "هذه السلطة الفردية التي لدى الإنسان والتي تتمثل في إرادته، وهذا ما يؤدى إلى تجدر الحمق في عالم الأخلاق"(61).

        ان فوكو هنا يقرأ العقلانية الديكارتية باعتبار ان أصلها أرادى أخلاقى  ، هذا ما دفع بفوكو إلى القول إن ديكارت "طوق" الحمق وأبعده من عملية الشك التي تحركه منذ انطلاقه، لكون الكوجيطو الذي ليس شيئا آخر سوى الإرادة العازمة على أن تبقى متيقظة ؛ فيمكن للإنسان الذي يشك من أن لا يعرف الحمق، ما دام قد قرر بإرادته أن يكون عاقلا، وقادرا على إبعاد الأوهام التي تهدد العقل. ، لأنه "قبل الكوجيطو كان هناك ترابط وتلازم مبكر بين الإرادة والاختيار والعقل واللاعقل. فالعقل  يجد الإتيقا عند منتهى حقيقته، في شكل القوانين الأخلاقية، كاختيار ضد اللاعقل، باعتباره - أى العقل - أصل كل فكر مشترك. فأصل ومصدر العقل في العصر الكلاسيكي هو "حقل الإيتيقا" (الأخلاقيات)(62).

      فالأمر، إذن، من الوجهة الأخلاقية يتعلق بإرادة الاختيار، لكونها عنصر أساسي في بنية العقل، والإنسان نفسه. وهذا ما نجده جليا في حديث ديكارت عن دلالة ووظيفة العقل باعتباره وعيا. فإذا كان العقل هو أعدل قسمة بين الناس وبالتالي لا أحد يريد منه الزيادة، فلكون الفرد يعي ذاته كفرد، وينظر إلى ذاته كمصدر لأفعاله وسلوكاته مما يجعل العقل هو الوعي عندما يتطابق الفرد مع ذاته مجسدا ذلك في الخطاب الذي يتفوه به. فلكي يتمكن الفرد من أن يعي ذاته كذات عاقلة فمن اللازم أن يكون الكلام الذي ينطق به كخطاب يطابق ذاته، مما يعني أن مصدر الخطاب هو الذات وقد تمكنت من أن تجعل مضمون الخطاب وشكله واضحين ومتميزين.(63)

 ما يترتب عن ما سبق هو أنه إذا كان العقل يعني الوضوح والتمييز لكونه يجسد الوعي، فإن التساؤل عن العقل لا يعني تأمله كتجسيد لنظام كوني ميتافيزيقي، بهدف الوصول إلى حكم صائب. وما دام هذا الأخير يتأسس على الإرادة، فإن الخطأ سيكون منسوبا إلى الإنسان الذي يكون قد استعمل حريته استعمالا سيئا.

       يتبين مما سبق أن قراءة فوكو للتأمل الديكارتي الأول هي قراءة أخلاقية توخى منها إبراز تجذر العقلانية في حقل الأخلاق من جهة، إن ما اكتشفه فوكو هو أن الأخلاق ليست مسألة خير وشر، ولا قيما متعالية يعمل الإنسان على أن يستبطنها أو أن يسمو بسلوكاته لكي يجعلها تطابق هذه القيم، بل إن الأخلاق مسألة أنطولوجية تحدد الإنسان في وجوده بفعل التقسيم والتصنيف، وبالتالي الهيمنة والتغلب. إننا أما درس نيتشوى حول الأخلاق. درس يرى كل ما فات من تاريخ الفلسفة او الحقيقة محض أخلاق تلعب فيها الارادة دورا أهم من العقل فالعقل مجرد أختيار تفضيلى للاراده ,اختيار للوضوح والتميز .(64)

       بل يذهب ادريس هوارى لابعد من ذلك فهو يقول "نود أن نقف عند كتابه تاريخ الحمق لكونه يعتبر الإنتاج المؤسس للاتجاه الحفري، ولأنه يتعرض لشكل من أشكال الأخلاق. ذو بعد أنطولوجي ، على أن نفهم من الأنطولوجيا الوجود من حيث هو إنتاج لصراع القوى، ومجال للهيمنة والإخضاع. لذا سينصب اهتمامنا ليس على القيم الأخلاقية التي عادة ما توضع كهدف للوجود الإنساني، إذ بفضلها يتمكن الإنسان من أن يجعل من وجوده وجودا يتصف بالسمو والتعالي ، بل على الممارسات المعرفية والمجتمعية التي تجد في الأخلاق وسيلة للتمييز، والفصل، والإقصاء، والترتيب… وبالتالي طريقة لإنتاج الحياة والمعنى. فالأخلاق من هذا المنظور مجموعة من "مقولات النظام" التي بواسطتها تعمل ثقافة ما على جعل التماسك والانسجام، و التطابق والهوية يطبعان سلوك الذين ينتمون إلى هذه الثقافة بطابع واحد؛ على أساس أن الانسجام المستهدف في إطار "النظام" يرمي إلى محو كل آثار "اللانظام ، حيث يظهر الفصل، بين النظام واللانظام شيئا مقبولا من الوجهة الأخلاقية. (65).

       لكن الجديد في هذه التجربة الأخلاقية هو أنه "لأول مرة لا يتم اللجوء إلى الإقصاء والإبعاد عن أسوار المدينة، بل إلى الحجز (=الحبس)؛ فالعاطل لا يطرد ولكن تتكفل به الأمة على حساب ضياع حريته الخاصة، لأن "الفضيلة أصبحت شيئا يهم الدولة، وباستصدار مرسوم يمكن أن تنتشر بين الناس وتصان وتحترم بوضع سلطة لهذا الغرض". ذلك أن الناس لم يعودوا يحاكمون بمقتضيات القانون، بل بالواجبات الأخلاقية. لقد تراجع هؤلاء الذين لا ينتجون، والذين يعتبرون عالة على الآخرين لكونهم فقراء ومعوزين بسبب ميلهم إلى الراحة والبطالة. إن الحجز تركيبة عجيبة من الواجب الأخلاقي والقوانين المدنية. وهذا ما جعل أن كل محجوز قبل أن يكون "موضوعا للمعرفة والرأفة هو ذات أخلاقية"، وبالتالي فإن التعارض بين الفقراء والمعوزين الطيبين والأشرار هو تعارض أساسي في بنية الحجز، إذ بدونه يفقد كل ذلك معناه ودلالاته الاقتصادية والاجتماعية. وهذا ما دفع بفوكو إلى القول إن هذه البنايات القمعية: لم تكن بنايات طبية استشفائية، وإنما وضعت لتستجيب لإثيقة جديدة للعمل؛ فهي تلعب دورين أساسيين أولا كأداة "لامتصاص البطالة والقيام بحماية اجتماعية ضد أعمال الشغب والفتن" وثانيا، مستودع في وقت الرخاء "ليد عاملة رخيصة".(66)

       فلقد مثل الحجز الكبير إذن، اعتمادا على الأخلاق، المؤسسة الاجتماعية التي مكنت المجتمع البورجوازي من إعادة تنظيم المجتمع وتأهيل العاطلين والمعوزين والفقراء من جديد لكي يصبحوا كائنات اجتماعية مقبولة، لأن ساكنة الحجز تمثل "الجانب السلبي من المدينة الأخلاقية التي تحلم بها البورجوازية". فهناك تواطؤ بين الأخلاق والشغل، لكون الكسل والبطالة يعتبران شكلان من أشكال الثورة والرفض.(67)

      يهمنى هنا نجاح فوكو فى ارجاع العقلانية الكلاسيكية الى الاخلاق واكسابها بعد انطولوجيا ، أى رد العقلانية والاخلاق الى الارادة الحره وهنا يظهر لدى فوكو الاتجاه الارادى لا العقلى ، و محاولته الشهيرة لدحض العقلانية الكلاسيكية انما تجلى لهذا الاتجاه الارادى  .

 (1) يمنى طريف الخولى : العلم والاغتراب والحرية ,مكتبة الاسرة ,القاهرة ,2006 .

(2) (7)  Jean-François Lyotard: The Postmodern Condition , publ. Manchester University Press, 1984 http://www.marxists.org/reference/subject/philosophy/works/fr/lyotard.htm

(3) ) فوكو : "أقوال  وكتابات"  الجزء الرابع  ص 703 نقلا عن  نعيمة الرياحي : فوكو / هابرماس واستئناف المشروع الحداثوي.

(4) ) فوكو ، أقوال وكتابات الجزء الرابع  وكذلك  في  دروس 1976 حول " يجب الدفاع عن المجتمع" نقلا عن  نعيمة الرياحي : فوكو / هابرماس واستئناف المشروع الحداثوي. اوراق فلسفية.

(5) جمال مفرج : بعض الإعتراضات على التنوير- اوراق فلسفية .

(6) ) فرانكلين . ل . باومر : الفكر الأوربى الحديث ، جـ3 ، أحمد حمدى محمود ، الهيئة المصرية العامة للكتاب القاهرة ، المرجع السابق ، ص 22 . نقلا عن  جمال مفرج : بعض الإعتراضات على التنوير- اوراق فلسفية .

(7) جمال مفرج : بعض الإعتراضات على التنوير- اوراق فلسفية

(8) ستيبان أوديف : على دروب زاردشت ، ترجمة فواد أيوب ، دار دمشق ، 1983 ، ص 151 . . نقلا عن  جمال مفرج : بعض الإعتراضات على التنوير- اوراق فلسفية .

(9) جمال مفرج : بعض الإعتراضات على التنوير- اوراق فلسفية

(10) المرجع السابق

(11) (16)  A. Schopenhauer: le Monde comme Volonte et comme Representation, tradution  

 d’A. Burdeau, P . U . F, 1966, P. P.  897-898

 

(12) ) .    Ibid, 906-907نقلا عن جمال مفرج : بعض الإعتراضات على التنوير- اوراق فلسفية

(13) 18) - Schopenhauer : op. Cit, 915 نقلا عن جمال مفرج : بعض الإعتراضات على التنوير- اوراق فلسفية .

(14) جمال مفرج : بعض الإعتراضات على التنوير- اوراق فلسفية .

(15) جمال مفرج : بعض الإعتراضات على التنوير- اوراق فلسفية.

(16) ) يقول الدكتور أحمد عبد الحليم " وعلى الرغم من صعوبة تقديم تعريف لما بعد الحداثة لكثرة هذه التعريفات وأختلافها وتعقد لغة أصحابها واتساع معارفهم فأننا نهدف إلى تحليل مجموعة النصوص التى قدمها كل من: جيل دولوز وميشل فوكو وفرانسوا ليوتار وجاك دريدا الذين يشار إليهم - رغم الاختلافات بينهم ورغم تطور أعمالهم وفقا لمناهج وتوجهات فلسفية مختلفة عبر مراحل كتاباتهم - على أنهم فلاسفة ما بعد الحداثة." ويحيلنا فى الهامش الى  مراجعة التعريفات المختلفة لفلسفة ما بعد الحداثة فى كتاب مارجريت روز: ما بعد الحداثة، ترجمة أحمد الشامى، الهيئة المصرية للكتاب، القاهرة 1994، وكذلك العدد الخاص من قضايا فكرية حول الفكر العربى بين العولمة الحداثة وما بعد الحداثة. العدد التاسع عشر والعشرون أكتوبر 1999. راجع كتاب بيتر بروكر الحداثة وما بعد الحداثة، ترجمة عبد الوهاب علوب، منشورات المجمع الثقافي أبو ظبي، الإمارات العربية المتحدة 1995 وكذلك فريدريك جيمسون: مختارة فى ما بعد الحداثة ترجمة محمد الجندى إصدارات أكاديمية الفنون ، القاهرة، 2000. كما يقول ايضا : كما تشير كارول نيكلسون إلى "أن أطروحة ما بعد الحداثة فى الفلسفة تشمل عددا من المقاربات النظرية من بينها: النزعة البنيوية و البرجماتية الجديدة. وهى مقاربات تسعى إلى تجاوز التصورات العقلية ومفهوم الذات العارفة باعتبارها تمثل أساس التقليد الفلسفى الحداثى الذى خط معالمه الأولى ديكارت وكانط" Carl Nicholen: Postmoderism Feminism And Eduction, The Need For Solierity Eduiccation Thery, Summer 1989, Vol - N 3 P - 197 محمد الشيخ - ياسر الطائرى مقاربات فى الحداثة، وما بعد الحداثة ، دار الطليعة، بيروت 1996، ص 16.نقلا عن  أحمد عبد الحليم عطية بعنوان  : " كانط وما بعد الحداثة"  ص 7 – 83 : فى كتابه ما بعد الحداثة والتفكيك : مقالات فلسفية , دار الثقافة العربية القاهرة ,2008 . يصنف ليمرت المفكرين ما بعد الحداثين الى ثلاث فئات

الراديكاليون : ليوتار بودريار ايهاب حسن  (الوضع الراهن لا يحتمل مقولات الحداثة )

الاستراتيجيون : فوكو دريدا ديلوز

الحداثيون المتاخرون : هابرماس وجيمسون لا يرفضون مفاهيم الحداثة

بدر الدين مصطفى : "حالة ما بعد الحداثة :الفلسفة والفن " ، الهيئة العامة لقصور الثقافة ، القاهرة ،2013 .ص 59 60

 (17) ) يقول ديفيد لاين : "لقد دخل مصطلح ما بعد الحداثة الاستخدام العام بعد ظهور كتاب ليوتار Lyotard "الوضع ما بعد الحداثى" ولكن بعد تأسيس هذا التيار التحق به كتاب أخرون - معظمهم فرنسيون - خلال الثمانينات، ورغم أن العديد من هؤلاء الكتاب تجاهلوا هذا المصطلح أو نفوه أو ابتعدوا عنه، إلا أنه بقى عالقا بأسمائهم ومن بينهم: جان بودريار Boudrilard وجاك دريدا Derrida وفوكو وليوتار نفسه طبعا ولا يمكن تجاهل كتاب أخرين مثل: جيل دولوز وجياتى فاتيمو Ginni Vattimo وريتشارد رورتى"  كتب ديفيد لاين كتابه ما بعد الحداثةPost - Modernity  وصدر عن مطابع الجامعة المفتوحة باكنجم 1999 وترجم

(18) ) كريس هوروكس : زوران جفتيك : فوكو ،ترجمة :إمام عبد الفتاح إمام ، المشروع القومى للترجمة ، الطبعة الاولى ، 2002 .  المقدمة بقلم المترجم .ص 5

(19) ) كريس هوروكس : زوران جفتيك : فوكو ،ترجمة :إمام عبد الفتاح إمام ، المشروع القومى للترجمة ، الطبعة الاولى ، 2002 .  ص 138.

(20) مجدى عبد الحافظ : حول الحداثة فى مصر , ابحاث ومداخلات الندوة العلمية الدولية الاولى لقسم العلوم الاجتماعية بكلية التربية فرع كفر الشيخ جامعة طنطا ,من ص 179 الى 210 , مارس , 1998م  .

(21) ) سامى خشبة : مقالات الصفحة الثقافية فى جريدة الاهرام المصرية 2005 .

[1] كل ما هو صلب قد تبخر فى الهواء ماركس ص23

ما بعد التحديث يشير الى الفترة الزمنية او المدة التاريخية ما بعد الحداثة اسلوب او طريقة فى التفكير او الحركة الفكرية والثقافية

الاسبانى ايهاب حسن فيدريكو دى أونيس مختارات من الشعر الاسبانى والاسبانى الامريكى 1934

دودلى فيتس مختارات من الشعر الامريكى اللاتينى المعاصر 1942 كلاهما يشير الى رد فعل ثانوى على الحداثة قائم فى داخلها

توينبى استخدمه ليشير الى اللاعقلانية والفوضوية واللامعيارية افول البرجوازية وحلول العامل الصناعى

الستينات ليونارد ماير نهاية عصر النهضة تغير معمارى المعمارى روبرت فينتورى مبررات عمارة البوب  التعقيد والتناقض فى العمارة

لا الحداثة ولا ما بعد الحداثة يمكن تحديدها كحقب تاريخية واضحة تكون ما بعد الحداثة شيئا ياتى بعد الحداثة يجب القول على العكس ما بعد الحداثة محايث للحداثة بما ان الحداثة الزمنية تحمل فى داخلها رغبة فى الخروج من ذاتها داخل حاله اخرى  ليوتارد محمد سبيلا

عدم القابلية للقراءة تعدد معانيه وكثرة دلالاته

(22) ) تحليل الخطاب عند سارة ميلز : من إنتاج النص إلى تسويقه رابح طبجون 110-117: فصول ( مجلة النقد الأدبى ) العدد 77 ، شتاء/ربيع 2010 الهيئة المصرية العامة للكتاب ،ص 114 .

(23) ) بير بودو نيتشه مفتتا ترجمة اسامة الحاج ص 77 نقلا عن ابن داود عبد النور :  المدخل الفلسفى للحداثة : تحليلية نظام تمظهر العقل الغربى ، الدار العربية للعلوم ناشرون ، بيروت ، منشورات الاختلاف ، الجزائر ، مؤسسة محمد بن راشد ال مكتوم ، ط1، 2009 . ص56

(24) ) أ,دريفوس وب ،رابينوف ميشال فوكو مسيرة فلسفية ترجمة جورج ابى صالح مركز الانماء القومى بيروت دت ص 112 .نقلا عن ابن داود عبد النور :  المدخل الفلسفى للحداثة : تحليلية نظام تمظهر العقل الغربى ، مرجع سابق ، نفس الموضع السابق .

(25) ابن داود عبد النور :  المدخل الفلسفى للحداثة : تحليلية نظام تمظهر العقل الغربى ، مرجع سابق ، ص   53 وما بعدها

(26) مطاع صفدى نقد العقل الغربى مركز الانماء القومى بيروت 1990 ص90 نقلا عن ابن داود عبد النور :  المدخل الفلسفى للحداثة : تحليلية نظام تمظهر العقل الغربى ، مرجع سابق ، ص 56

(27) ) روبرت وشنو واخرون ترجمة محمد حافظ دياب واخرون التحليل الثقافى المركز القومى للترجمة ط1 2008 البنيوية الجديدة عند ميشيل فوكو 203 252 ،ص 219 .

(28) ريتشرد هارلند : ما فوق البنيوية ، ترجمة لحسن أحمامة ، دار الحوار للنشر والتوزيع ،ط2 ،2009 ، ص152

(29) روبرت يانج : اساطير بيضاء : كتابة التاريخ والغرب ،ترجمة أحمد محمود ، مكتبة الاسرة ،2005 . الفصل الخامس :أوهام فوكو ص 175

(30) )  ميشيل فوكو فى مقابلة مع النوفيل اوبسر فاتور 12 مارس 1977 ، ميشيل فوكو : كانط والثورة ترجمة يوسف الصديق  , مجلة الكرمل ( مجلة الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطنيين )  , العدد 13 ,ص 66 - 71 , 1984

(31) د. أحمد أبو زيد: ليوتار وما بعد الحداثة. فى كتابه: الطريق إلى المعرفة، الكويت، 2001، ص 15. .نقلا عن  أحمد عبد الحليم عطية بعنوان  : " كانط وما بعد الحداثة"  ص 7 – 83 : فى كتابه ما بعد الحداثة والتفكيك : مقالات فلسفية , دار الثقافة العربية القاهرة ,2008 .

(32) ( لذلك نجد بعض المنظرين يتحاشون استخدام ذلك المصطلح بل يرفضه البعض برمته وخصوصا كما بد فى الثقافة المصرية وعلى وجه الخصوص عام 1998 كان المصطلح منبوذا مرفوضا كليا يوصف باللاعلمية بالطبع تغير الامر عام 2004  فهناك زيادة ملحوظة في أعداد المنظرين الذين يستخدمون المصطلح بل تم الاعتراف الرسمى به فى رسائل الماجستير والدكتوراه تلك خطوة هامة   )

(33) مقالة سان هاند Sean Hand بعنوان فلسفة ما بعد الحداثةوهى الفصل السادس من كتاب حرره  الإنجليزي اوليفر ليمان بعنوان " مستقبل الفلسفة في القرن الواحد والعشرين " , ترجمة  مصطفى محمود محمد وراجعة رمضان البسطويسى , ضمن سلسلة عالم المعرفة عدد مارس رقم 301 الكويت 2004.

(34) كرين برينتون :تشكيل العقل الحديث ,ترجمة شوقى جلال ,مكتبة الاسرة,القاهرة ,2002 .

(35) مجدى عبد الحافظ : حول الحداثة فى مصر , ابحاث ومداخلات الندوة العلمية الدولية الاولى لقسم العلوم الاجتماعية بكلية التربية فرع كفر الشيخ جامعة طنطا ,من ص 179 الى 210 , مارس , 1998م  .

(36) نعيمة الرياحي : فوكو / هابرماس واستئناف المشروع الحداثوي.

(37) نعيمة الرياحي : فوكو / هابرماس واستئناف المشروع الحداثوي.

(38) المرجع السابق .

(39) ) المرجع السابق .

(40) ) المرجع السابق

(41) عبد الرازق الداوى : موت الانسان فى الخطاب الفلسفى المعاصر ص 150 نقلا عن ابن داود عبد النور :  المدخل الفلسفى للحداثة : تحليلية نظام تمظهر العقل الغربى ،مرجع سابق . ص36.

(42) ابن داود عبد النور :  المدخل الفلسفى للحداثة : تحليلية نظام تمظهر العقل الغربى مرجع سابق , ص13 – 14.

(43) نعيمة الرياحي : فوكو / هابرماس واستئناف المشروع الحداثوي.

(44) Mariapaola Fimiani, Foucault, et Kant Critique Clinique Ethique, p 13 نقلا عن نعيمة الرياحي : فوكو / هابرماس واستئناف المشروع الحداثوي.

(45) ) ايان كريب النظرية الاجتماعية ص 288 نقلا عن  ابن داود عبد النور :  المدخل الفلسفى للحداثة : تحليلية نظام تمظهر العقل الغربى ، مرجع سابق ، ص 66 .

(46) ابن داود عبد النور :  المدخل الفلسفى للحداثة : تحليلية نظام تمظهر العقل الغربى ، مرجع سابق . ص 72 .

(47) مطاع صفدى نقد العقل الغربى ص300 نقلا عن ابن داود عبد النور :  المدخل الفلسفى للحداثة : تحليلية نظام تمظهر العقل الغربى ، مرجع سابق .  ص73

(48) ) ابن داود عبد النور :  المدخل الفلسفى للحداثة : تحليلية نظام تمظهر العقل الغربى ، مرجع سابق .  ص 12 .

(49) مطاع صفدى نقد العقل الغربى 230 -231   ابن داود عبد النور :  المدخل الفلسفى للحداثة : تحليلية نظام تمظهر العقل الغربى ، مرجع سابق .  ص  76

(50) ) ابن داود عبد النور :  المدخل الفلسفى للحداثة : تحليلية نظام تمظهر العقل الغربى ، مرجع سابق .  ص67.

(51) مطاع صفدى نقد العقل الغربى 234-236  نقلا عن ابن داود عبد النور :  المدخل الفلسفى للحداثة : تحليلية نظام تمظهر العقل الغربى ، مرجع سابق . ص 71 . 

(52) Pierre Guenancia, « Foucault /Descartes : La question de la subjectivité » in Revue Archives de Philosophie, Avril juin, 2002, Vol 65, p.254 نقلا عن نعيمة الرياحى : فوكو / هابرماس واستئناف المشروع الحداثوي.

(53) مطاع صفدى نقد العقل الغربى 144-145نقلا عن ابن داود عبد النور :  المدخل الفلسفى للحداثة : تحليلية نظام تمظهر العقل الغربى ، مرجع سابق . ص69. 

(54) مطاع صفدى ، الحداثة البعدية مقدمة لكتاب ميشيل فوكو الكلمات والاشياء ترجمة جماعية باشراف مطاع صفدى مركز الانماء القومى ،بيروت 1990 ص18،19

(55) ) ابن داود عبد النور :  المدخل الفلسفى للحداثة : تحليلية نظام تمظهر العقل الغربى ، مرجع سابق .ص15

(56) ) نعيمة الرياحي : فوكو / هابرماس واستئناف المشروع الحداثوي

(57) تحليل الخطاب عند سارة ميلز : من إنتاج النص إلى تسويقه رابح طبجون 110-117)فصول ( مجلة النقد الأدبى ) العدد 77 ، شتاء/ربيع 2010 الهيئة المصرية العامة للكتاب ص110

(58) سامى خشبة : مفكرون من عصرنا ، مكتبة الاسرة ،2008 ص607 .

 

(59) ) ادريس هوارى : الأخلاق وتاريخ الحمق  مقال منشور الكترونيا على موقع http://membres.multimania.fr/abedjabri/n55_01.htm

(60) المرجع نفسه

(61) ) المرجع نفسه

(62) ) المرجع نفسه

(63) المرجع نفسه

(64) المرجع نفسه

(65) المرجع نفسه

(66) المرجع نفسه

(67) المرجع نفسه


مكتب الفيلسوف الحر

الموقع الالكترونى مكتب الفيلسوف الحر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التدخين ومنهج جديد مستنير للقضاء عليه

  إلى والدى العزيز ارجو   نشر هذه المقالة كاملة فى كتابكم الجديد كنوع من ابراز الرأى الحر الذى لا يجد فى عصرنا هذا من يتبناه عنوان الم...